من وحي اجتماع أبو إبراهيم السبت: أنبل سياسة وأحقر سياسة/ مرزوق الحلبي

ليس أسخف من الذي يناقش اجتماع أبو إبراهيم (ع) الاحتجاجي، السبت، لمواجهة مِحنة الخريطة الهيكلية وأصحابها من باب أنه سياسيّ. أو أنه سياسيّ أكثر من اللازم ـ كما قال لي أحدهم. إذ ليس أكثر سياسةً من مسائل التخطيط والتنظيم والأرض والمسكن. ليس أكثر إيغالًا في السياسة من مسائل الوجود والاعتراف بهذا الوجود وضمان ديمومته على أرض الآباء والأجداد والعيش موفوري الكرامة في بيوتنا. والتخطيط في إسرائيل، كما هو معروف للفاهم الحقيقيّ وليس للمدّعي والغشيم، هو مصدر كلّ السياسات والممارسات السياسيّة. وذلك لأن قضيّة الأرض/ الجغرافيا هي محور مواجهة مفتوحة إلى هذه اللحظة بين المجتمع اليهودي الوافد وبين المجتمع المُقيم صاحب الأرض الذي "كسرها" بيديه الموجود هنا قبل الدولة وقوانينها.
نعم المبادرون إلى الاجتماع والمتحدثون فيه والحاضرون يشتغلون في أمر سياسيّ بامتياز. والأصحّ أنهم يعالجون فشلًا سياسيًّا آخر في النهج والرؤية والنتائج ارتكبه رئيس السلطة المحليّة رفيق قاسم حلبي حين أودع خريطة مُجحفة كهذه بحقهم وحقّ أبنائهم وبلدهم. اضطرّ أصحاب البيوت والأراضي المتضرّرون من الخريطة الغشيمة الكارثيّة التي يعتبرها الرئيس "إنجازًا" أن يتنادوا للدفاع عن حقوقهم في الملكية والمسكن والعيش بكرامة التي تضررّت. وهذا شرف لهم ومدعاة للفخر وليس نقيصة. أما الرئيس المتبجّح منفّذ ساسات الخواجات فلا يحقّ له أن ينبسّ بكلمة واحدة. خاصة وأنه استغلّ ضائقة أهلنا وحاجاتهم إلى حلول لجني مكاسب سياسيّة أو "معاقبة" الخصوم والمعارضين. ولأن نهجه الغشيم والمتبجّح أوصل الأمور إلى وقوع كلّ هذا الظلم على الناس بما فيهم المحسوبون عليه.
أنبل سياسة هي أن يأخذ الناس زمام الأمور في الدفاع عن مصالحها وحقوقها وكرامتها خاصة في مجتمعات تتعرّض للقهر. وأحقر سياسة هي أن ينضمّ بعض الناس بشكل وضيع إلى القاهرين في ممارسة القهر والظلم وانتهاك حقوق الإنسان والمواطن. أنبل سياسة هي أن ينتظم الناس في مبادرات ولجان لحماية وجودهم من القهر والغدر. وأنذل سياسة هي التبجّح والكذب والثرثرة على آلام الناس وجروحها. أنبل سياسة أن يمارس الناس التضامن والتكافل والمساندة والمؤازرة لبعضهم البعض وأوطأ سياسة هي التنكّر للناس وقضاياها في عزّ محنتها.
بدل أن يرى الرئيس إلى وجهه في المرآة في ضوء الاجتماع وما كشفه من محنة حقيقية لعشرات العائلات، وبدل أن يسكت ويرتدّ لسانه إلى حلقه ولو ليوم أو يومين رأيناه يكتب سيلا من الرسائل المسمومة ضد حقّ الناس في الاحتجاج والشكوى والانتظام دفاعًا عن حقوقهم ـ وهناك ببغاوات تردّد وراءه كأنهم وزراء الليكود يرددون وراء نتنياهو. وهو يكتب عادة باللغة العبرية التي يعيش فيها كمستشرق من الطراز القديم ينضح باستعلاء وعنصرية. ربّما هذا ما يستطيعه رئيس يعيش في العالم الافتراضيّ ينتقل بين واتس أب وفيسبوك وإنستجرام طيلة النهار ومنقطعٌ عن آلام الناس وضائقتهم.
وإلّا كيف تفسّرون أنه يقبل تحويل عشرات الدونمات من أراضي الناس لشركة الكهرباء دون أن يُعلمهم؟ هل من تفسير؟

الاختباء بالعائلة وشبابها لم يعد ينفع. ها هي الناس ترى "الملك عاريًا"
والدالية بكل عائلاتها أنبل وأنقى.